حالات من المشاعر
بعض القلوب تمشي أمام أصحابها. تسبقهم في كل طريق، وتتكلم نيابةً عنهم، وتبكي حين يسكت اللسان. هؤلاء الناس لا يُجيدون أن يعيشوا بنصف إحساس؛ إذا أحبوا، أحبوا دفعةً واحدة، دون تردد ولا تحفظ. وإذا اشتاقوا، تبلّلت عيونهم من دون استئذان. الحزن عندهم لا يُخفى، والفرح لا يُكتم، وكل شعور يعيش فيهم بكامل حجمه.
هؤلاء العاطفيون لا يخطئون في مشاعرهم، لكنهم يتعبون منها. فالموقف العابر قد يصبح في داخلهم قصة، والكلمة العابرة قد تجرحهم كما تجرح السكاكين. يعيشون بعينٍ تبصر التفاصيل الصغيرة، وقلبٍ يضخّ لها المعنى والوزن. ولهذا السبب تحديدًا، يعانون في الدراسة الطويلة، أو القراءة المركّزة؛ لأن العقل منشغل دومًا بتصفية ما يشعر به، لا بما يدرسه. المشاعر تقتحم تركيزهم، تتسلل من بين الأسطر، وتعيدهم إلى الداخل كلما حاولوا الخروج منه.
وفي الطرف المقابل، هناك من يبدو وكأنه بلا مشاعر. لا لأن قلبه ميت، بل لأنه لا يجد الطريق الصحيح للتعبير. هؤلاء حين يحبّون، يلتزمون الصمت، وحين يشتاقون، يفتحون الهاتف ولا يكتبون شيئًا. الحزن يسكنهم، لكنهم لا يشاركونه، وكأنهم يخجلون من ضعفهم. أما الفرح، فهو الشعور الوحيد الذي يعرف طريقه للخارج بسهولة.
هذا النوع عقلاني بطبعه، يحلل الموقف قبل أن يشعر به، ويفكر كثيرًا قبل أن يُبدي ردّة فعله. ينجح في المهام المنطقية، يبدع في البيئات المرتّبة، وتُناسبه الدراسة الطويلة والعمل الدقيق. مشكلته ليست في خلوّه من المشاعر، بل في صمته عنها.
وهناك من يجمع بين الطرفين. قلبه حي، لكنّه ليس منفلتًا. يشعر كثيرًا، ويفكر كثيرًا. يعرف متى يتكلّم، ومتى يصمت. إذا أحب، أحبّ بصدق، وإذا غضب، غضب بوعي. يعيش مشاعره دون أن تغرقه، ويديرها بعقله دون أن يُطفئها. هذا التوازن لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة لتجارب، وصراعات داخلية، ونمو في الفهم.
وليس من السهل تحديد أيّ شخصية أنت. لأن الإنسان لا يبقى على حال، وقد يتنقل بين هذه الطباع دون أن يشعر. هناك من كان عاطفيًا جدًا، ثم جرّب خذلانًا واحدًا جعله ينكمش. وهناك من كان صامتًا لسنوات، ثم انفتح قلبه فجأة لأحدهم، وقال كل شيء.
وهذا التغيّر – أو الثبات – لا يحدث وحده، بل يتأثر بعوامل كثيرة:
طريقة التربية: هل نشأت في بيتٍ يُربّي الشعور، أم يكتمه؟
العمر: فكل مرحلة تُغيّر شكل الإحساس وطريقة التعبير.
التجارب: الحُب، الفُقد، الصدمة، الخيبة، تُعيد تشكيل الداخل.
البيئة: من تُصادق، ماذا تسمع، بمَن تتأثّر.
الهرمونات: خاصة في مرحلة المراهقة، حيث تتضخّم المشاعر دون إذن.
القرب من الله: فمن صفت علاقته بالله، هدأت نفسه، وتزنت مشاعره.
المشاعر ليست دليل ضعف، ولا مقياس نضج، ولا عيب يجب إخفاؤه. هي مرآة لما فيك، ومفتاح لفهم نفسك. ليس مطلوبًا منك أن تُعبّر مثل غيرك، لكن حاول أن تفهم كيف تشعر، ولماذا.
لا بأس أن تبكي. لا بأس أن تتغير. لا بأس أن تتأخر في فهم نفسك. المهم أن تمضي، لا تهرب منها، ولا تندم على صدقها.